مصدر الصورة: موقع pexels
الواقع في منتصف الطريق تقييم نقدي لخطة التنمية المستدامة 2030
خارطة طريق على مفترق طرق أهداف التنمية المستدامة 2030
في عام 2015، اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مجموعة من 17 هدفًا مترابطًا، تُعرف باسم “أهداف التنمية المستدامة” (SDGs)، لتشكل “خارطة طريق لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة لكافة البشر” بحلول عام 2030. هذه الأهداف، التي تهدف إلى القضاء على الفقر وحماية الكوكب وضمان الازدهار للجميع، لم تكن مجرد أمنيات، بل كانت دعوة عالمية للعمل. ولكن مع بلوغنا منتصف المدة المحددة لتحقيق هذه الأهداف، أصبحت الحقائق أكثر وضوحًا وقسوة. لقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن “عالمنا يواجه أكثر اللحظات محورية وخطورة منذ أجيال”، في إشارة إلى سلسلة الأزمات المتتالية التي تهدد بتقويض كل تقدم تم إحرازه. يهدف هذا التقرير إلى تقديم تقييم واقعي وحاسم للوضع الراهن، لتشخيص مكامن الخلل التي أدت إلى الانحراف عن المسار، مما يمهد الطريق للتحليل الأعمق لأسباب الأزمة والحلول المقترحة.
الحقائق الصادمة حالة التقدم العالمية (أو غيابها) التقدم والإخفاقات
استنادًا إلى التقرير المرحلي الخاص بأهداف التنميـة المستـدامة لعام 2023، فإن الصورة العامة للتقدم العالمي تبعث على القلق الشديد. يشير التقرير إلى أن التقدم المحرز في أكثر من 50% من الأهداف “ضعيف وغير كافٍ”، بل إن الأمر وصل إلى حد أن أكثر من 30% من الأهداف قد “توقفت أو انعكس مسارها” تمامًا. هذا التدهور لا يمثل إخفاقًا جزئيًا، بل يعكس إخفاقًا جماعيًا يتطلب مراجعة شاملة للأدوات والسياسات المتبعة.
لقد كان التقدم في القضاء على الفقر والجوع مأساويًا. في عام 2020 وحده، دفعت جائحة كوفيد-19 نحو 100 مليون شخص إضافي إلى هوة الفقر المدقع، مما أدى إلى ارتفاع عدد الذين يعيشون على أقل من 2.15 دولار أمريكي يوميًا إلى 724 مليونًا. ورغم التعافي البطيء وغير المتكافئ الذي شهدته بعض المناطق، إلا أن الصراعات الجيوسياسية، مثل غزو روسيا لأوكرانيا، فاقمت الوضع بشكل كبير. فقد أدت هذه الصراعات إلى تعطيل التجارة العالمية وارتفاع تكاليف المعيشة، مما أثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر فقرًا والأشد ضعفًا. وتوضح التوقعات أن 8.4% من سكان العالم، أو حوالي 670 مليون شخص، قد يظلون تحت خط الفقر المدقع بحلول نهاية عام 2022.
يُقدم الجدول التالي تلخيصًا لحالة بعض الأهداف الرئيسية بناءً على البيانات المتاحة، مما يعكس مدى التحدي الذي يواجه الأجندة.
الهدف (ID) | حالة التقدم | البيانات الداعمة | |
الهدف 1: القضاء على الفقر | متدهور | ارتفع عدد من يعيشون تحت خط الفقر المدقع إلى 724 مليون في 2020؛ 100 مليون شخص دفعهم كوفيد-19 إلى الفقر المدقع. | |
الهدف 13: العمل المناخي | متدهور | انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الأحفوري ارتفعت بنسبة 1% في 2022؛ التقديرات تشير إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب بنحو 2.8°م. | |
الهدف 5: المساواة بين الجنسين | بطيء | تزايد تمثيل المرأة في المناصب العامة، لكن لا تزال هناك فجوات في الأجور وحقوق الصحة الإنجابية. |
مصدر الصورة: موقع pexels
الأزمات المتراكمة عوامل الانحراف عن المسار
لا يمكن فهم الانحراف عن مسار أهداف التنمية المستدامة دون النظر إلى العوامل التي ساهمت في ذلك. إن التحديات التي تواجه العالم ليست منفصلة، بل هي شبكة معقدة من الأزمات المتشابكة التي يؤثر بعضها على البعض الآخر، مما يؤدي إلى نتائج متتالية ومضاعفة.
تُعد أزمة المناخ هي العامل الأكثر تهديدًا وشمولية. فقد ذكرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن تغير المناخ “يقوض جميع أهداف التنمية المستدامة تقريباً”. فالبيانات العلمية واضحة، حيث تظهر أن السياسات الحالية قد تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 2.8 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، وهو ما يتجاوز بكثير هدف اتفاق باريس المتمثل في 1.5 درجة مئوية. إن هذا الفشل في العمل المناخي لا يقتصر أثره على البيئة وحدها، بل يؤثر بشكل مباشر على أهداف أخرى قد تبدو غير مرتبطة به. على سبيل المثال، يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم المخاطر المرتبطة بالمياه مثل الفيضانات والجفاف، مما يؤثر بشكل مباشر على الهدف 6 المتعلق بالمياه النظيفة والصرف الصحي. كما تؤدي الكوارث الطبيعية إلى تدمير البنية التحتية والمستوطنات البشرية، مما يعيق التقدم نحو الهدف 11 المتعلق بالمدن والمجتمعات المستدامة. هذا الارتباط الواضح يوضح أن التقاعس في مجال واحد يؤدي إلى فشل متسلسل في مجالات أخرى، وأن العمل المناخي ليس هدفًا قائمًا بذاته، بل هو شرط أساسي لتحقيق التقدم الشامل.