صفقات المليارات السعودية و سوريا تدشنان حقبة اقتصادية جديدة بعد رفع العقوبات وتوقيع 24 مليار ريال استثمارات

صفقات المليارات السعودية و سوريا تدشنان حقبة اقتصادية جديدة بعد رفع العقوبات وتوقيع 24 مليار ريال استثمارات

مصدر الصورة: موقع twimg

صفقات المليارات السعودية و سوريا تدشنان حقبة اقتصادية جديدة بعد رفع العقوبات وتوقيع 24 مليار ريال استثمارات

إعادة إحياء العلاقات الاقتصادية وسياقها التاريخي

 

شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية تاريخاً متقلباً، اتسم بفترات من التعاون والتوتر تأثراً بالتحولات الإقليمية والدولية. فبعد أن كانت سوريا، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حليفاً للاتحاد السوفيتي ومناهضة لبعض السياسات السعودية، شهدت العلاقات تحسناً ملحوظاً في فترات لاحقة، لا سيما بعد تدخل الطرفين لحل الأزمة اللبنانية في عهد الرئيس حافظ الأسد. في تسعينيات القرن الماضي، اتسمت العلاقات بالإيجابية، وشاركت سوريا في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت.

ومع ذلك، تدهورت العلاقات بشكل حاد بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في عام 2005، ودعم سوريا لحزب الله في حرب عام 2006، وبلغت ذروتها بقطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا في عام 2012. يمثل التحول الأخير نحو تطبيع العلاقات، والذي توج بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في مايو 2023 وإعادة افتتاح السفارة السورية بالرياض في أكتوبر 2023، نقطة تحول استراتيجية. هذه المرحلة الجديدة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وإعادة تفعيل الدور الاقتصادي لسوريا في المنطقة بعد سنوات من الصراع.

تأتي الصفقـات المليارية الأخيرة تتويجاً لهذه الجهود، حيث تسعى المملكة العربية السعوديـة و سوريـا إلى وضع الأسس لشراكة اقتصادية شاملة.

المنتدى الاستثماري السعودي السوري تدشين حقبة جديدة من التعاون

 

شهد قصر الشعب بالعاصمة السورية دمشق انعقاد المنتـدى الاستثـماري السعودي السوري في 24 يوليو 2025. أسفر هذا المنتدى عن توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين جهات سعودية وسورية من القطاعين الحكومي والخاص، بقيمة إجمالية بلغت 24 مليار ريال سعودي.

تجاوزت القيمة الموقعة التوقعات الأولية التي كانت تشير إلى صفقـات بقيمة 15 مليار ريال. هذا الفارق الكبير، الذي يبلغ 9 مليارات ريال إضافية، يشير إلى أن مستوى الطموح والالتزام من كلا الجانبين كان أعلى مما كان متوقعاً في البداية. هذا التجاوز في التوقعات يعكس ثقة متزايدة في جدوى هذه الاستثـمارات وفي المناخ الاقتصادي الجديد في سوريا بعد التغيرات السياسية ورفع العقوبات، مما يبعث برسالة إيجابية للمستثمرين الآخرين ويعزز الآمال في تعافي اقتصادي أسرع.

شهد المنتدى مشاركة رفيعة المستوى من الجانبين، بما في ذلك وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، ووزير الاقتصاد السوري محمد الشعار، وجاء برعاية الرئيس السوري أحمد الشرع.

تفاصيل الصفقات والقطاعات الاستراتيجية المستهدفة

 

تنوعت مجالات الاستثـمارات المعلنة لتشمل قطاعات حيوية واستراتيجية بالغة الأهمية لإعادة الإعمار والتنمية في سوريا. يوضح اختيار هذه القطاعات استراتيجية سعودية هادفة لإحداث أقصى تأثير على التعافي الاقتصادي السوري. سوريا تعاني من دمار واسع في البنية التحتية، ونقص في الطاقة، وضعف في الخدمات، وحاجة ماسة لإعادة الإعمار. لذلك، فإن الاستثمار في قطاعات مثل العقار، البنية التحتية، الاتصالات وتقنية المعلومات، الطيران والملاحة، الصناعة، السياحة، الطاقة، التجارة والاستثمار، الصحة، الموارد البشرية، والقطاع المالي، يعتبر استثماراً في إعادة بناء القدرات الأساسية للدولة السورية، مما يساهم في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل. هذا التوجه يعزز فرص نجاح الاستثمارات من خلال معالجة الاحتياجات الملحة، ويؤكد على البعد التنموي للشراكة.

 

تسليط الضوء على الاتفاقيات الرئيسية

من بين الاتفاقيات الموقعة، تبرز عدة نقاط:

  • اتفاقية “تداول” السعودية وسوق دمشق للأوراق المالية تم توقيع اتفاقية لدراسة التعاون والإدراج المشترك، حيث بدأت شركة “تداول” دراسة شاملة لجدوى وإنشاء وتشغيل بورصة دمشق. هذه الاتفاقية تتجاوز الاستثمار المادي المباشر إلى بناء القدرات المؤسسية والمالية في سوريا. البورصات هي أدوات حيوية لجذب رؤوس الأموال، وتوفير السيولة، وتمكين الشركات من التمويل، وتعزيز الشفافية المالية. مع معاناة الاقتصاد السوري من نقص السيولة وتجميد الأصول وصعوبة الوصول للخدمات المصرفية الدولية ، فإن مساعدة “تداول” في بناء سوق مالي سوري قوي يمكن أن يفتح قنوات جديدة لتدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية، ويسهل تمويل المشاريع، ويعزز الثقة في الاقتصاد السوري على المدى الطويل. هذه الخطوة تعكس رؤية استراتيجية لبناء بنية تحتية مالية حديثة، مما يمهد الطريق لاندماج أعمق للاقتصاد السوري في المنظومة المالية الإقليمية والدولية.

  • اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة تم توقيع هذه الاتفاقية خلال اجتماع الطاولة المستديرة المشتركة في الرياض، بهدف توفير بيئة استثمارية جاذبة ومعالجة المعوقات التي تواجه المستثمرين من كلا البلدين.

  • مبادرة تأسيس “صندوق الصناديق” كشف وزير الاستثمار السعودي عن دعم وزارته لمبادرة تأسيس “صندوق الصناديق” من قبل القطاع الخاص، والذي يهدف ليكون مرتكزاً للعمل الاستثماري المحوكم وتحقيق نتائج استثنائية بأحجام تمويلية تلبي الاحتياجات المتزايدة لعدة قطاعات في سوريا. هذا الصندوق يشير إلى نهج استثماري أكثر استدامة وتنوعاً. فبدلاً من مجرد ضخ الأموال مباشرة في مشاريع محددة، يهدف “صندوق الصناديق” إلى جذب وتوجيه استثـمارات أوسع من القطاع الخاص، وربما من مستثمرين دوليين. هذا يعكس رغبة في بناء نموذج استثماري أكثر مرونة واستدامة، يقلل من المخاطر على المستثمرين الأفراد ويوزعها عبر محافظ استثمارية متنوعة، مما يعزز الثقة ويجذب المزيد من رؤوس الأموال. يساهم هذا في تنويع مصادر التمويل ويضمن استمرارية الدعم الاستثماري لسوريا على المدى الطويل.

  • مشاركة الشركات السعودية في معرض دمشق الدولي دعا وزير الاستثمار السعودي الشركات السعودية للمشاركة في معرض دمشق الدولي، وقد سجلت 80 شركة سعودية بالفعل للمشاركة.

  • اتفاقية “بن داوود للاستثمار” مع وزارة السياحة السورية تم توقيع اتفاقية محدثة ضمن خطوات متقدمة لصندوق استثماري يركز على المشاريع السياحية والعقارية.

يلخص الجدول التالي أبرز الاتفاقيات الموقعة في المنتدى الاستثماري السعودي السوري:

أبرز الاتفاقيات الموقعة في المنتـدى الاستثـماري السعودي السوري يوليو 2025

الاتفاقية/المبادرةالقيمة الإجماليةالقطاعات المستهدفةالأطراف المعنيةالأهميةالمصادر
الإجمالي العام للاتفاقيات24 مليار ريال سعوديالعقار، البنية التحتية، الاتصالات وتقنية المعلومات، الطيران والملاحة، الصناعة، السياحة، الطاقة، التجارة والاستثمار، الصحة، الموارد البشرية، والقطاع الماليجهات سعودية وسورية من القطاعين الحكومي والخاصتدشين حقبة جديدة من التعاون الاقتصادي الشامل. 
اتفاقية “تداول” وسوق دمشق للأوراق الماليةغير محددة (دراسة)القطاع المالي“تداول” السعودية وسوق دمشق للأوراق الماليةدراسة جدوى وإنشاء وتشغيل بورصة دمشق، مما يمهد لبنية تحتية مالية متطورة. 
اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلةغير محددةالتجارة والاستثمارالمملكة العربية السعودية وسورياتوفير بيئة استثمارية جاذبة ومعالجة المعوقات للمستثمرين. 
مبادرة تأسيس “صندوق الصناديق”غير محددة (تمويلية)قطاعات متعددةالقطاع الخاص بدعم من وزارة الاستثمار السعوديةمرتكز للعمل الاستثماري المحوكم، يهدف لتحقيق نتائج استثنائية بأحجام تمويلية كبيرة. 
اتفاقية “بن داوود للاستثمار”غير محددةالسياحة والعقارات“بن داوود للاستثمار” ووزارة السياحة السوريةجزء من صندوق استثماري لجذب مستثمرين سعوديين ودوليين في القطاعين. 
مشاركة الشركات السعودية في معرض دمشق الدوليغير محددةقطاعات متنوعة80 شركة سعوديةتعزيز التبادل التجاري واستكشاف فرص الشراكة المباشرة. 

 

الآثار الاقتصادية المتوقعة مكاسب متبادلة بين السعودية و سوريا وتحديات قائمة

 

على الاقتصاد السوري

من المتوقع أن تُحدث هذه الصفقات تحولاً كبيراً في الاقتصاد السوري، الذي عانى لسنوات من الصراع والعقوبات. تُعد قطاعات الطاقة والبناء من أبرز محركات النمو في الدول التي تخرج من النزاعات، نظراً لارتباطها المباشر بمؤشرات الإنتاجية والعمالة. الاستثمارات المعلنة مرشحة لإحداث قفزة نوعية في الاقتصاد السوري، خاصة بعد سنوات من الانكماش. كما أن توسّع الاستثمارات في مجالات البنية التحتية، كالكهرباء والمياه، قد يؤدي إلى تحسّن ملحوظ في جودة الحياة اليومية للمواطنين، وهو أمر بالغ الأهمية للاستقرار الاجتماعي. من المتوقع أيضاً أن تُحدث الاستثمارات المعلنة فرص عمل تتجاوز 50 ألف وظيفة، مما يساهم في معالجة مشكلة البطالة المرتفعة في سوريا. يُتوقع أن تستفيد قطاعات مثل الزراعة والنقل والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والسياحة من الدعم السعودي من خلال توفير التمويل والتقنيات الحديثة، مما يعزز الإنتاج والأمن الغذائي.

مع ذلك، يواجه الدعم السعودي، بالرغم من حجمه، تحديات هيكلية عميقة في الاقتصاد السوري، مما يتطلب إصلاحات داخلية لضمان فعاليته. فقد شهدت سوريا انكماشاً تراكمياً في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50% منذ عام 2010، ويعيش ثلثا السوريين تحت خط الفقر. وتتمثل التحديات المذكورة في غياب التشريعات المحفزة، وضعف الشفافية في الإجراءات الحكومية، ونقص الكفاءات بسبب الهجرة الواسعة للعمالة الماهرة خلال سنوات النزاع. يشير هذا إلى أن الاستثمار الخارجي وحده لا يكفي لإنعاش اقتصاد يعاني من هذه المشاكل الهيكلية. فالأموال وحدها لن تحقق أهدافها المرجوة ما لم تكن هناك بيئة قانونية وتنظيمية شفافة وفعالة، وقوى عاملة مؤهلة لاستيعاب المشاريع. لذلك، فإن نجاح هذه الصفقات يعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة السورية على تنفيذ إصلاحات داخلية جذرية، بما في ذلك تحسين الإطار القانوني للاستثمار وتعزيز الشفافية ومواجهة تحدي هجرة الكفاءات. هذا يضع مسؤولية كبيرة على عاتق دمشق لتهيئة بيئة جاذبة ومستقرة للاستثمار طويل الأجل، وإلا فإن العائدات المتوقعة قد تكون أقل من المأمول.

 

على الاقتصاد السعودي

تساهم هذه الاتفاقيات في تعزيز التكامل الاستثماري ونقل المعرفة بين البلدين. كما تدعم هذه الاستثمارات توسع الاستثمارات السعودية بما يحقق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة في المملكة. وتساهم هذه الصفقات في تعزيز الدور الاقتصادي والسياسي للمملكة في المنطقة، وتوسيع نفوذها الاقتصادي.

من الملاحظ أيضاً أن العلاقة الاقتصادية ليست مجرد تدفق استثماري من السعودية إلى سوريا. فقد بلغ عدد التراخيص الاستثمارية الممنوحة في عام 2024 للشركات السورية في المملكة 3225 ترخيصاً استثمارياً، موزعة على العديد من القطاعات. هذا العدد الكبير من التراخيص للشركات السورية في السعودية يشير إلى تدفق استثماري ثنائي الاتجاه. هذا يوضح أن العلاقة الاقتصادية هي شراكة ذات بعدين، حيث يجد المستثمرون السوريون أيضاً فرصاً في السوق السعودي. هذا يعزز فكرة “التكامل الاستثماري” و”نقل المعرفة” ، ويعكس ثقة متبادلة في الفرص الاقتصادية بين البلدين. يشير هذا إلى أن الفوائد الاقتصادية قد تكون أكثر توازناً مما تبدو عليه في الوهلة الأولى، وأن السعودية تستفيد من جذب رؤوس الأموال والكفاءات السورية أيضاً.

نظرة على المؤشرات الاقتصادية الحالية

 

لفهم السياق الذي تتم فيه هذه الاستثمارات، من الضروري استعراض المؤشرات الاقتصادية الرئيسية لكل من السعودية وسوريا.

 

الاقتصاد السوري

من المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي في سوريا نمواً متواضعاً بنسبة 1% في عام 2025، بعد انكماشه بنسبة 1.5% في عام 2024. يأتي هذا النمو المتوقع في ظل استمرار التحديات الأمنية، ونقص السيولة، وتعليق المساعدات الخارجية. لقد انكمش إجمالي الناتج المحلي بشكل تراكمي بأكثر من 50% منذ عام 2010، وانخفض نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي إلى 830 دولاراً أمريكياً فقط في عام 2024.

فيما يتعلق بمعدلات التضخم، فقد تراجع معدل التضخم العام المحسوب في سوريا للفترة من مارس 2024 إلى فبراير 2025 ليسجل 36.8%، وهو أدنى من المعدل 120.6% المحسوب خلال الفترة السابقة ذاتها. كما بلغ معدل التضخم الشهري لشهر فبراير 2025 ما مقداره -8.0%، متأثراً بتراجع الأسعار نتيجة الزيادة الكبيرة في العرض من السلع وتحسن سعر صرف الليرة السورية. بينما يبدو تراجع التضخم إيجابياً، فإن الانكماش الاقتصادي الحاد ونقص السيولة قد يعنيان أن التراجع في الأسعار ليس بالضرورة مؤشراً على انتعاش قوي في الطلب أو النشاط الاقتصادي، بل قد يكون نتيجة لتراجع القوة الشرائية أو زيادة مفاجئة في العرض بعد إطاحة النظام السابق. هذا التراجع في التضخم يمكن أن يوفر بيئة أكثر استقراراً للاستثمار، لكنه لا يلغي الحاجة الملحة إلى النمو الاقتصادي الحقيقي وزيادة الإنتاجية. يجب أن يُنظر إلى هذه الأرقام في سياقها الأوسع، حيث أن استقرار الأسعار ضروري لجذب الاستثمار، لكنه ليس كافياً بحد ذاته لضمان التعافي الاقتصادي الشامل.

 

الاقتصاد السعودي

بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للعام بأكمله في المملكة العربية السعودية 1.30% في ديسمبر 2024، وارتفع المعدل السنوي إلى 3.90% في يونيو 2025. بلغ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الأول من 2025 حوالي 1.2 تريليون ريال سعودي. أما معدلات التضخم، فقد بلغت 1.9% في أكتوبر 2024، و2.0% خلال يناير 2025، وتُعد ضمن أقل معدلات التضخم بين دول مجموعة العشرين.

 

مقارنة المؤشرات الاقتصادية الرئيسية (الناتج المحلي الإجمالي والتضخم) للسعودية وسوريا 2024-2025

المؤشرالسعوديةسوريا
نمو الناتج المحلي الإجمالي (2024)

1.3% (ديسمبر 2024)

-1.5% (تقدير 2024)

نمو الناتج المحلي الإجمالي (2025)

3.9% (يونيو 2025)

1% (متوقع 2025)

التضخم السنوي (أحدث بيانات 2025)

2.0% (يناير 2025)

36.8% (مارس 2024-فبراير 2025)

نصيب الفرد من الناتج القومي (2024)غير مذكور

830 دولار أمريكي

تظهر البيانات تبايناً هائلاً بين الاقتصادين، حيث تتمتع السعودية باقتصاد مستقر ونامٍ، بينما تعاني سوريا من انكماش عميق وتضخم مرتفع. هذا التباين يؤكد أن الاستثمارات السعودية تمثل شريان حياة حيوياً للاقتصاد السوري المتعثر.

حجم التبادل التجاري والاستثمار الأجنبي المباشر

 

بلغ حجم التجارة بين السعودية وسوريا 9.1 مليار ريال (نحو 2.4 مليار دولار) خلال العشرة أعوام الماضية، بفائض الميزان التجاري لصالح سوريا بلغ 6.8 مليار ريال (نحو 1.8 مليار دولار). أما في عام 2024 حتى شهر نوفمبر، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.2 مليار ريال (نحو 320 مليون دولار)، بفائض تجاري لصالح سوريا أيضاً.

في عام 2024، بلغت قيمة صادرات المملكة إلى سوريا ما يعادل 558.7 مليون ريال، وهو ما يشكل ارتفاعاً بنسبة 27.6% مقارنة بالسنة السابقة. تصدرت أقسام المنتجات الآتية قائمة الصادرات من حيث القيمة: لدائن ومصنوعاتها (359.6 مليون ريال)، بن, شاي, مته, بهارات وتوابل (64.8 مليون ريال)، ومنتجات من خزف (31.3 مليون ريال). في المقابل، بلغت قيمة واردات المملكة من سوريا ما قوامه 707.8 مليون ريال في عام 2024، مسجلة بذلك تراجعاً بنسبة 7.6% مقارنة بالسنة السابقة.

يشير هذا التباين، حيث ارتفعت الصادرات السعودية إلى سوريا بينما تراجعت الواردات السعودية من سوريا، إلى أن السعودية بدأت بالفعل في زيادة إمداداتها إلى سوريا (ربما لتلبية احتياجات أولية أو تجارية)، لكن القدرة السورية على التصدير إلى السعودية لا تزال متأثرة بالظروف الاقتصادية الصعبة. هذا يؤكد أن الاستثمارات الجديدة التي تركز على الصناعة والزراعة والبنية التحتية تهدف على المدى الطويل إلى تعزيز القدرة الإنتاجية السورية، مما قد يؤدي إلى زيادة في الواردات السعودية من سوريا مستقبلاً، وبالتالي تحقيق توازن أكبر في الميزان التجاري. هذا يوضح أن الاستثمارات الحالية ليست مجرد تبادل تجاري، بل هي محاولة لإعادة بناء القاعدة الإنتاجية السورية لتعزيز التبادل التجاري المستدام.

أما بالنسبة لرصيد الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد حققت سوريا بنهاية عام 2023 نمواً إيجابياً في رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر مع المملكة، مسجلاً مبلغاً قدره 8.4 مليار ريال، مقارنة بقيمته بنهاية عام 2022 والتي بلغت 7.5 مليار ريال.

 

نظرة عامة على التبادل التجاري والاستثمار الأجنبي المباشر بين السعودية وسوريا 

المؤشرالقيمةالفترة/التاريخملاحظاتالمصادر
إجمالي التجارة (10 سنوات)9.1 مليار ريال (2.4 مليار دولار)العشرة أعوام الماضيةفائض تجاري لصالح سوريا (6.8 مليار ريال) 
إجمالي التبادل التجاري (2024)1.2 مليار ريال (320 مليون دولار)حتى نوفمبر 2024فائض تجاري لصالح سوريا 
صادرات السعودية إلى سوريا (2024)558.7 مليون ريال2024ارتفاع بنسبة 27.6% عن العام السابق. أبرز الصادرات: لدائن ومصنوعاتها، بن وشاي، منتجات خزف. 
واردات السعودية من سوريا (2024)707.8 مليون ريال2024تراجع بنسبة 7.6% عن العام السابق. 
رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر السوري في السعودية8.4 مليار ريالنهاية 2023ارتفاع بنسبة 13.0% عن 2022 (7.5 مليار ريال). 
صفقات المليارات السعودية و سوريا تدشنان حقبة اقتصادية جديدة بعد رفع العقوبات وتوقيع 24 مليار ريال استثمارات

مصدر الصورة: موقع france24

سياق رفع العقوبات الأمريكية وتأثيره

 

في 30 يونيو 2025، أصدر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الأمر التنفيذي 14312، الذي رفع فعلياً معظم العقوبات المفروضة على سوريا. جاء هذا القرار استجابة للتغيرات القيادية والسياسات الجديدة للحكومة السورية تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع.

إن توقيت رفع العقوبات الأمريكية قبل شهر واحد فقط من المنتدى الاستثماري السعودي السوري ليس مجرد مصادفة، بل هو عامل تمكيني حاسم لهذه الشراكة الاقتصادية. كانت العقوبات الأمريكية تشكل عائقاً كبيراً أمام أي استثمار دولي أو إقليمي واسع النطاق في سوريا، حيث كانت الشركات والمؤسسات المالية تخشى الوقوع تحت طائلة العقوبات الثانوية. وبالتالي، فإن رفع هذه العقوبات يزيل جزءاً كبيراً من المخاطر القانونية والمالية التي كانت تحول دون دخول الشركات السعودية وغيرها إلى السوق السوري. هذا القرار الأمريكي يمثل ضوءاً أخضر غير مباشر للتعاون الاقتصادي، مما يفسر الجرأة والحجم الكبير للصفقات الموقعة. هذا التطور يغير قواعد اللعبة بالنسبة لسوريا، ويفتح الباب أمام تدفقات رأسمالية كانت مستحيلة في السابق، ويؤكد على أن التغيرات السياسية الداخلية في سوريا (وصول الرئيس الشرع) كان لها دور محوري في هذه التطورات الاقتصادية.

على الرغم من رفع معظم العقوبات، لا تزال هناك قيود وتحديات قائمة، مثل قيود التصدير، ووجود عدد كبير من الأفراد والكيانات السورية الخاضعة للعقوبات بموجب برامج عقوبات أخرى، بالإضافة إلى تردد المؤسسات المالية في استئناف التعاملات مع سوريا بسبب المخاطر المتبقية والحاجة إلى اليقظة المستمرة. على الرغم من التيسير، فإن استمرار بعض القيود وتردد المؤسسات المالية يمثل تحدياً كبيراً أمام التنفيذ السلس والكامل للصفقات الموقعة. هذه القيود المتبقية يمكن أن تعيق تدفق الاستثمارات والتبادل التجاري، خاصة فيما يتعلق بالمعاملات المصرفية الدولية وسلاسل الإمداد. لن يكون التعافي الاقتصادي سلساً أو سريعاً بمجرد توقيع الاتفاقيات. سيتطلب الأمر جهوداً مستمرة لتذليل العقبات البيروقراطية والمالية، وبناء الثقة مع القطاع المصرفي الدولي. يجب أن تكون الشركات السعودية على دراية بهذه المخاطر المتبقية وأن تستعد لتكاليف امتثال كبيرة وصعوبات عملية، مما قد يؤثر على سرعة تنفيذ المشاريع.

آفاق مستقبلية لشراكة استراتيجية

 

تمثل الصفقات الاستثمارية الأخيرة بين السعودية وسوريا، بقيمة 24 مليار ريال، نقطة تحول حاسمة في العلاقات الثنائية، وتدشيناً لحقبة جديدة من التعاون الاقتصادي الذي يتجاوز مجرد إعادة الإعمار ليشمل بناء بنية تحتية اقتصادية مستدامة. تعكس هذه الاتفاقيات التزاماً واضحاً من القيادتين في كلا البلدين بتعزيز الاستقرار والنمو الإقليمي، وتحويل العلاقات من التوتر إلى الشراكة الاستراتيجية.

مع رفع معظم العقوبات الأمريكية، وتعهد السعودية بدعم تأسيس صندوق للاستثمارات في سوريا وتسهيل مشاركة الشركات، فإن سوريا لديها فرصة تاريخية لإعادة بناء اقتصادها. ومع ذلك، فإن النجاح سيعتمد بشكل كبير على قدرة دمشق على تنفيذ الإصلاحات التشريعية، وتعزيز الشفافية، ومعالجة تحدي هجرة الكفاءات. هذه الشراكة ليست مجرد استثمار مالي، بل هي استثمار في الاستقرار الإقليمي، وتوسيع النفوذ الاقتصادي السعودي، وإعادة دمج سوريا في محيطها العربي والاقتصادي. إذا ما تم تنفيذ هذه الصفقات بفعالية، فإنها ستسهم في تحويل سوريا إلى وجهة استثمارية جاذبة، مما يعود بالنفع على الشعب السوري والمنطقة بأسرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *