الاقتصاد التحتي... الظل الخفي للناتج الإجمالي العالمي

الاقتصاد التحتي… الظل الخفي للناتج الإجمالي العالمي

مصدر الصورة: موقع pexels

الاقتصاد التحتي... الظل الخفي للناتج الإجمالي العالمي

في السياق الاقتصادي العالمي اليوم، يُعد الاقتصاد التحتي ظاهرة معقدة ومثيرة للجدل، تتسبب في تحديات كبيرة للحكومات والمؤسسات المالية. يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على جوانب الاقتصاد التحتي، مشيرًا إلى أسبابه، تأثيراته، وكيفية مواجهته. وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، يمثل الاقتصاد التحتي نحو 23٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مما يجعله ظاهرة جديرة بالدراسة العميقة.

يهدف هذا المقال إلى توفير رؤية شاملة للباحثين وصانعي السياسات والمهتمين بالشأن الاقتصادي حول الاقتصاد التحتي. سنستعرض الدوافع الاقتصادية والاجتماعية التي تسهم في نمو هذا القطاع الخفي، ونحلل تأثيراته على الاقتصاد الرسمي والتنمية المستدامة. كما سنناقش السياسات والاستراتيجيات الفعالة لمواجهة تحديات الاقتصاد التحتي وتحويله إلى فرص للنمو الشامل.

تعريف الاقتصاد التحتي وأشكاله

1 ـ ماهية الاقتصاد التحتي

الاقتـصاد التـحتي، المعروف أيضًا باسم الاقتصاد الخفي أو اقتصاد الظل، يشير إلى جميع الأنشطة الاقتصادية التي تتم خارج نطاق الرقابة الحكومية. يشمل هذا المفهوم الأعمال غير المسجلة والأنشطة غير القانونية. وفقًا لصندوق النقد الدولي، يتضمن الاقتـصاد التحـتي “كل الأنشطة الاقتصادية التي يتم إخفاؤها عن السلطات الرسمية لأسباب نقدية أو تنظيمية أو مؤسسية.”

2 ـ أشكال الاقتصاد التحتي

الاقتصاد غير الرسمي يشمل الأنشطة القانونية ولكن غير المسجلة، مثل الباعة الجائلين.

الاقتصاد الأسود يشمل الأنشطة غير القانونية مثل تجارة المخدرات وغسيل الأموال.

الاقتصاد الرمادي يتعلق بالأنشطة القانونية التي تُنفذ بطرق غير قانونية أو شبه قانونية، مثل التهرب الضريبي.

اقتصاد الظل الرقمي يشمل الأنشطة غير المشروعة عبر الإنترنت مثل القرصنة الإلكترونية.

الاقتـصاد التـحتي 1

مصدر الصورة: موقع pexels

حجم الاقتصاد التحتي وتأثيره العالمي

1 ـ تقديرات حجم الاقتصاد التحتي

– يمثل الاقتـصاد التـحتي حوالي 23٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

– في الدول المتقدمة، يتراوح بين 8٪ و30٪، بينما يصل إلى 40٪ أو أكثر في الدول النامية.

2 ـ التباين الإقليمي

-أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى تصل مستويات الاقتـصاد التـحتي إلى 40٪ في بعض الدول.

-أمريكا اللاتينية يتراوح بين 25٪ و40٪.

-أفريقيا جنوب الصحراء يصل إلى أكثر من 50٪ في بعض الدول.

-الدول المتقدمة تسجل أدنى المستويات، بين 8٪ و15٪.

3 ـ التأثير العالمي

-الإيرادات الحكومية الاقتـصاد التـحتي يسبب خسارة كبيرة في الإيرادات الضريبية، تقدر بحوالي

3.1 تريليون دولار سنويًا.

-تشويه البيانات الاقتصادية يؤثر على دقة الإحصاءات الاقتصادية، مما يعقد عملية صنع السياسات.

-المنافسة غير العادلة يخلق تحديات للشركات العاملة في الاقتصاد الرسمي.

-الاستقرار المالي يزيد من مخاطر غسيل الأموال والأنشطة غير المشروعة.

الاقتـصاد التـحتي 3

مصدر الصورة: موقع pexels

أسباب نمو الاقتصاد التحتي

1 ـ العوامل الاقتصادية

-الضرائب المرتفعة تدفع الأفراد والشركات للبحث عن طرق للتهرب منها.

-التنظيم المفرط يدفع الشركات الصغيرة للعمل خارج النظام الرسمي.

-البطالة وانخفاض الدخل يدفع الأفراد للبحث عن وسائل للبقاء.

2 ـ العوامل الاجتماعية والثقافية

-ضعف الثقة في المؤسسات الحكومية يزيد من احتمال مشاركة المواطنين في الاقتـصاد التـحتي.

-القبول الاجتماعي في بعض المجتمعات، يُعتبر العمل غير الرسمي مقبولًا.

-الهجرة غير الشرعية يضطر المهاجرون غير الشرعيين للعمل في الاقتصاد التحتي.

3 ـ العوامل المؤسسية والسياسية

– ضعف سيادة القانون يجعل العمل في الاقتـصاد التـحتي أكثر أمانًا وجاذبية.

-الفساد يقوض الثقة في المؤسسات الرسمية.

-عدم استقرار السياسات الاقتصادية يجعل الاقتـصاد التـحتي بديلاً أكثر استقرارًا.

آثار الاقتصاد التحتي

1 ـ الآثار الاقتصادية

-خسارة الإيرادات الضريبية تقدر الخسائر في الدول النامية بحوالي 1.5 تريليون دولار سنويًا.

-تشويه المؤشرات الاقتصادية يقلل من دقة البيانات الاقتصادية الرسمية.

-المنافسة غير العادلة الشركات غير الرسمية تتمتع بميزة تنافسية.

-تأثير على الاستثمار يقلل من جاذبية الاستثمار الأجنبي.

2 ـ الآثار الاجتماعية

-عدم المساواة يزيد من التفاوت الاجتماعي.

-ظروف العمل غير الآمنة العاملون في الاقتـصاد التـحتي يفتقرون إلى الحماية القانونية.

-تقويض الثقة الاجتماعية يضعف الثقة في النظام القانوني والمؤسسات الحكومية.

3 ـ الآثار السياسية والأمنية

-تمويل الأنشطة غير المشروعة يمكن أن يكون مصدرًا لتمويل الجماعات الإجرامية.

-تقويض الحوكمة يُضعف قدرة الحكومة على تنفيذ السياسات.

-زيادة الفساد يعزز من فرص الفساد.

الاقتـصاد التـحتي 2

مصدر الصورة: موقع pexels

استراتيجيات مواجهة الاقتصاد التحتي

1 ـ الإصلاحات الضريبية والتنظيمية

-تبسيط النظام الضريبي لتشجيع الامتثال الضريبي وتقليل الحوافز للتهرب من الضرائب، يجب تبسيط النظام الضريبي ليكون أكثر شفافية وسهولة في الفهم. تبسيط الإجراءات الضريبية وتخفيض الضرائب يمكن أن يقلل من الحافز للانخراط في الأنشطة غير الرسمية.

 

– تحسين كفاءة الإدارة الضريبية يجب تحسين كفاءة وفعالية إدارات الضرائب من خلال تدريب الموظفين على استخدام التكنولوجيا الحديثة وتقنيات التحليل المتقدمة لتتبع الأنشطة الاقتصادية المشتبه بها، مما يسهل الكشف عن التهرب الضريبي.

 

-مراجعة اللوائح التنظيمية يجب أن تكون اللوائح التنظيمية واضحة وغير معقدة لتسهيل الامتثال من قبل الشركات والأفراد. اللوائح البسيطة تساعد في تقليل تكاليف الامتثال وتجعل من الأسهل على الأعمال الصغيرة الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي.

2 ـ تعزيز الشمول المالي والرقمنة

-تشجيع استخدام المدفوعات الإلكترونية الانتقال إلى مجتمع غير نقدي يمكن أن يقلل من الاقتـصاد التـحتي. من خلال تشجيع استخدام بطاقات الائتمان، المحافظ الإلكترونية، والتحويلات المصرفية، يمكن تقليل التعاملات النقدية التي تصعب تتبعها.

-تحسين الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية توسيع نطاق الوصول إلى البنوك والخدمات المالية للأفراد والمجتمعات المحرومة يمكن أن يسهل عليهم الانخراط في الاقتصاد الرسمي، مما يعزز الشفافية والامتثال الضريبي.

-رقمنة الخدمات الحكومية توفير خدمات حكومية رقمية يمكن أن يسهل إجراءات الأعمال ويقلل من البيروقراطية، مما يدفع المزيد من الشركات إلى العمل ضمن الإطار الرسمي.

3 ـ تعزيز إنفاذ القانون والرقابة

-تحسين قدرات التحقيق تطوير وتحديث قدرات أجهزة إنفاذ القانون للتحقيق في الجرائم المالية والتهرب الضريبي. يمكن أن تشمل هذه القدرات استخدام التكنولوجيا الحديثة وأنظمة التحليل للبيانات الضخمة.

 

-التعاون الدولي التعاون مع الدول الأخرى لتبادل المعلومات والتنسيق في مواجهة التهرب الضريبي والأنشطة غير المشروعة عبر الحدود.

 

-استخدام التكنولوجيا المتقدمة توظيف الذكاء الاصطناعي وتقنيات تحليل البيانات للكشف عن الأنماط المشبوهة والأنشطة غير المشروعة.

4 ـ تحسين الحوكمة وبناء الثقة

-تعزيز الشفافية الحكومية نشر المعلومات المالية والإدارية المتعلقة بالحكومة والإيرادات العامة بشكل منتظم وشفاف يمكن أن يعزز الثقة بين المواطنين والحكومة.

-مكافحة الفساد وضع استراتيجيات واضحة وقوية لمكافحة الفساد داخل المؤسسات الحكومية والخاصة. تعزيز المساءلة والشفافية يمكن أن يحد من الفساد ويشجع الامتثال للقوانين واللوائح.

-تحسين جودة الخدمات العامة الاستثمار في البنية التحتية وتطوير الخدمات العامة لتعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة، مما يقلل من الحاجة إلى اللجوء إلى الاقتـصاد التـحتي.

5 ـ التوعية والتثقيف

-برامج التوعية العامة تنفيذ حملات إعلامية لزيادة الوعي بين الجمهور حول الآثار السلبية للاقتـصاد التـحتي وأهمية الامتثال الضريبي. يمكن أن تشمل هذه الحملات وسائل الإعلام التقليدية والرقمية.

-التعليم المالي إدخال برامج تعليمية في المدارس والجامعات تركز على التثقيف المالي وفهم الضرائب وكيفية إدارة الأموال بشكل قانوني ومسؤول.

-التدريب المهني تقديم برامج تدريب مهني للعاملين في القطاع غير الرسمي لتسهيل انتقالهم إلى الاقتصاد الرسمي، مما يزيد من فرص العمل الرسمية ويحسن من مستويات المعيشة.

هذه الاستراتيجيات الشاملة يمكن أن تساعد في الحد من حجم الاقتـصاد التحـتي وتعزيز الاقتصاد الرسمي، مما يساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام وازدهار اجتماعي. من خلال التبني المشترك لهذه الاستراتيجيات بين الحكومات، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، يمكن تحقيق مستقبل اقتصادي أكثر إشراقًا وعدلاً.

في ختام هذا المقال، يظهر بوضوح أن الاقتـصاد التـحتي يشكل تحديًا مركبًا يمتد عبر الحدود الجغرافية والثقافية والاقتصادية. تعد معالجة هذا التحدي أمرًا بالغ الأهمية ليس فقط لتعزيز الإيرادات الحكومية، ولكن أيضًا لضمان العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي. إن فهم طبيعة الاقتـصاد التـحتي وأسبابه وتأثيراته يمكن أن يساعد الحكومات والمؤسسات الاقتصادية في تطوير استراتيجيات فعالة للتعامل معه.

في النهاية، يظل الاقتصاد التحتي جزءًا من التحديات التي تواجهها المجتمعات الحديثة. ومع ذلك، من خلال الفهم الشامل والاستراتيجيات المبتكرة، يمكن تحويل هذا التحدي إلى فرصة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وازدهار اجتماعي يعم الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *