#إيست توداي مصدر الصورة: موقع pexels
تحليل مقارن لـ ’اقتصاد الشرق والغرب’ تنافس النماذج والتحول الجيواقتصادي
التموضع الجيواقتصادي لـ ’اقتصاد الشرق’ في عالم متعدد الأقطاب
التحول من العولمة المتكاملة إلى التكتلات المتنافسة
شهد النظام الاقتصادي العالمي تحولاً هيكلياً عميقاً منذ بداية الألفية، متجهاً نحو نهاية مرحلة العولمة المتكاملة التي هيمنت عليها القوى الغربية بعد الحرب الباردة. يتميز المشهد الحالي بتزايد التجزئة التجارية وظهور مفاهيم مثل “فك الارتباط” Decoupling و”التحالفات التجارية” التي تحدد معالم المستقبل. هذا التغيير ليس مجرد تباطؤ دوري، بل هو تحول سياسي وتقني يعكس انتقالاً جيواقتصادياً في مراكز القوة.
لقد عجلت الصدمات الاقتصادية والجيوسياسية الأخيرة، بدءاً من جائحة كوفيد-19، من هذا الاتجاه. تظهر البيانات أن التجارة العالمية شهدت انكماشاً حاداً بلغ 16% في الربعين الأول والثاني من عام 2020، وهو ما تجاوز في عمقه الصدمة التي لوحظت خلال الأزمة المالية العالمية. وعلى الرغم من الانتعاش في عامي 2021 و 2022، تباطأ نمو تدفقات التجارة العالمية بشكل ملحوظ، حيث نمت بنسبة 1.1% فقط في عام 2023، وهو معدل أقل بكثير من متوسط النمو السنوي في الفترة ما قبل الجائحة. هذه الحالة من عدم اليقين المتزايد دفعت إلى إعادة تقييم ديناميكيات القوة، مع تزايد التركيز على دور اقتـصاد الشـرق كقوة دافعة للنمو والاستقرار المستقبلي.
يكشف تحليل الاستجابات السياسية للعولمة عن تباين عميق؛ فبينما يتزايد الضغط الشعبي المتعلق بإعادة النظر في أنظمة التعاون التجاري الحر في البلدان الغربية ، يظهر حماس متزايد تجاه تعميق العلاقات التجارية في العديد من الاقتصادات الناشئة في اقتـصاد الشـرق. هذا التباين يخلق فرصة للشرق لملء الفراغ التنظيمي والتجاري، حيث تتطلع الصين وغيرها من بلدان الأسواق الناشئة إلى قيادة مبادرات طموحة جديدة للتعاون التجاري.
تعريف المجال الجغرافي والاقتصادي ترسيم الحدود
يُعرَّف اقتصاد الغرب بأنه الاقتصادات المتقدمة Advanced Economies، التي تضم بشكل أساسي مجموعة السبع G7، والاتحاد الأوروبي Euro area، وأوروبا الغربية. هذه الاقتصادات تمثل قوة مالية وتكنولوجية ضخمة، ولكنها تواجه تحديات هيكلية في النمو والديموغرافيا.
في المقابل، يمثل اقتـصاد الشـرق مجموعة أكثر تنوعاً وحيوية، تشمل الاقتصادات النامية والصاعدة في آسيا والمحيط الهادئ Emerging and Developing Asia، ومنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ينصب التركيز الاستراتيجي على الصين، ومجموعة دول الآسيان، ودول الخليج العربي كـ “مراكز قوة” صاعدة. تستفيد هذه الدول من الانقسام الجيواقتصادي عبر تنويع شركائها، مع التركيز على الاستثمار في القطاعات المستقبلية. على سبيل المثال، يعكس التزام الشركات الصينية الرائدة في مجال الطاقة النظيفة والنقل المستدام بتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، استراتيجية تموضع هذه الدول كجسور حيوية بين قوى الإنتاج الآسيوية والأسواق العالمية، مما يعزز مركزية اقتـصاد الشـرق الأوسط في المقارنة.
الركائز الهيكلية تباين نماذج الرأسمالية
الاختلاف الأعمق بين اقتـصاد الشـرق والغرب يكمن في النماذج الاقتصادية المتبناة وطريقة إدارة المخاطر وتوجيه الاستثمار. هذا التباين هو الذي يحدد القدرة التنافسية لكل كتلة على المدى الطويل.
رأسمالية السوق الحرة (الغرب) المزايا والتحديات
تاريخياً، قامت الرأسمالية الغربية، التي توصف بـ “الرأسمالية الليبرالية القائمة على الجدارة” Liberal Meritocratic Capitalism، على مبدأ تفوق الابتكار الفردي والأسواق غير المنظمة بشكل كبير. ومع ذلك، تعرض هذا النموذج لنقد حاد في أعقاب الأزمة المالية العالمية، حيث أشار المحللون إلى فشل الرأسمالية الغربية الذي نشأ عن “نقص التنظيم” under-regulation.
يتمثل الخلل الهيكلي في “عدم التماثل” في إدارة المخاطر؛ حيث يجني القطاع الخاص الأرباح في حال النجاح، بينما يضطر الجمهور (الدولة) إلى تحمل الخسائر في حال الفشل عبر عمليات الإنقاذ العام. هذا أدى إلى تزايد الدعوات في الغرب لإعادة تأكيد دور الإنفاق الحكومي والضرائب كاستجابة للتحديات الاقتصادية، كما تجسد في مقترحات الإنفاق على التحفيز والبنية التحتية في الولايات المتحدة.
رأسمالية الدولة الموجهة قوة التخطيط الاستراتيجي
في المقابل، يتبنى اقتـصاد الشـرق، وخاصة الاقتصادات الآسيوية، نموذج “رأسمالية الدولة السياسية” State-Led Political Capitalism – SLC. يتميز هذا النموذج بالدور المهيمن للدولة في التخطيط، والاعتماد على الشركات المملوكة للدولة SOEs وصناديق الثروة السيادية SWFs لتعزيز المصالح التجارية الوطنية.
تنبع نقاط القوة الأساسية لـ اقتـصاد الشـرق الآسيوي من معدلات الادخار المرتفعة، و”فرط الاستثمار” Hyperinvestment في التعليم والبنية التحتية، والدور القوي للدولة في التخطيط. هذا النموذج يتجسد في الصين، وكذلك في سنغافورة وفيتنام.
تمنح رأسمالية الدولة الموجهة أفضلية تنافسية في التنفيذ الاستراتيجي، لأن الحكومة تكون على جانبي ميزانية المخاطر والعائد. هذه السيطرة تمكنها من تحمل المخاطر على المدى الطويل وتنفيذ مشاريع ضخمة ومعقدة، مثل التحول التكنولوجي أو البنية التحتية الكبرى، بشكل أسرع وأكثر شمولية مقارنة بالنماذج الغربية المقيدة بالسياسات قصيرة الأجل. يعد هذا حاسماً للمنافسة في قطاعات المستقبل الحيوية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة.
يجب الإشارة إلى أن التنافس بين الشـرق والغرب يتجاوز الجانب الاقتصادي البحت؛ فهو صراع بين نموذجين يختلفان في المجالات السياسية والاقتصادية. هذا التنافس يؤدي إلى اختلاف في إدارة البيانات والتنظيم التكنولوجي، حيث تخدم التكنولوجيا في الغرب السوق الفردية، بينما تُستخدم في اقتـصاد الشـرق لخدمة أهداف الدولة المركزية، مما يعمق الفجوة الثقافية والتشريعية بينهما.

#إيست توداي مصدر الصورة: موقع pexels
سباق النمو والأداء الاقتصادي الكلي
يُعد النمو الاقتصادي ومعدلاته أحد أوضح المؤشرات على تحول مركز الثقل العالمي لصالح اقتـصاد الشـرق.
مقارنات الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات النمو (2025-2026)
تشير التوقعات الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى فجوة نمو متزايدة. فبينما من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بمعدل 3.2%، تشير التقديرات إلى نمو متواضع في الاقتصادات المتقدمة الغرب بحدود 1.8%. في المقابل، من المتوقع أن يقود اقتـصاد الشـرق ممثلاً بآسيا والمحيط الهادئ النمو، بمعدل متوقع يبلغ 4.5%.
وفي سياق اقتـصاد الشـرق الأوسط وآسيا الوسطى، يُتوقع أن يصل معدل النمو الإجمالي إلى 3.5%. وتبرز التوقعات المخصصة لدول الخليج، حيث يُتوقع أن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي إلى 4.1% في العام المقبل، مما يعكس تفاؤلاً بأداء الاقتصاد المدفوع بالإصلاحات غير النفطية ورؤية 2030.
توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي (معدلات متوسطة) – 2025/2026
| المنطقة/المجموعة التحليلية | النمو المتوقع 2025 (نسبة مئوية) | القيمة الإجمالية للناتج (تريليون دولار أمريكي) | دلالة اقتصادية |
| الاقتصادات المتقدمة (الغرب) | 1.8 | 68.6 | نمو بطيء ومستقر، يعتمد على الابتكار والخدمات. |
| آسيا الصاعدة والنامية (اقتصاد الشرق) | 4.5 | 27.82 | المحرك الرئيسي للنمو العالمي، مدفوعاً بالصين والآسيان. |
| منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى (اقتصاد الشرق) | 3.5 | 5.2 | نمو مدفوع بالإصلاحات والاستثمارات الموجهة. |
| العالم ككل | 3.2 | 117.17 | – |
الديناميكيات الديموغرافية والإنتاجية كمحركات للنمو
تعد التركيبة السكانية عاملاً فاصلاً. فبينما تواجه الاقتصادات الغربية تحدي شيخوخة السكان، تتمتع دول ضمن اقتـصاد الشـرق مثل جنوب وغرب آسيا وأفريقيا بسكان في ريعان الشباب، مما يمنحها فرصة للإسراع في تحقيق النمو.
غير أن الحفاظ على معدلات نمو عالية للإنتاجية في الدول ذات القوى العاملة الشابة يتطلب جهوداً متواصلة لتحسين المهارات وتطوير التكنولوجيا. إذا لم يتم الاستثمار بفعالية في رأس المال البشري، فإن “الفرصة السكانية” ستتحول إلى “عبء سكاني”. لذلك، يرتبط النمو المستقبلي لـ اقتـصاد الشـرق ارتباطاً وثيقاً بفعالية رأسمالية الدولة في توجيه الإنفاق نحو التعليم والبحث والتطوير.
تحولات الاستهلاك والميزان التجاري
تظهر مقارنة أنماط الاستهلاك تبايناً هيكلياً في كيفية دعم النمو. في الولايات المتحدة، بلغت ديون الأسر مستوى قياسياً وصل إلى 18.13 تريليون دولار بنهاية عام 2024، مما يمول نسبة متزايدة من الإنفاق الاستهلاكي. يشير هذا الاعتماد على الاستهلاك المدفوع بالديون إلى نقطة ضعف هيكلية في النموذج الغربي.
في المقابل، يشهد اقتـصاد الشـرق، وتحديداً الصين، تحولاً مستمراً نحو اقتصاد قائم على الاستهلاك المحلي. فقد ارتفعت مبيعات التجزئة في الصين بنسبة 3.5% في عام 2024. هذا التحول يمثل تصحيحاً هيكلياً يقلل من اعتماد الشرق على الأسواق الخارجية، مما قد يجعل نموذج نمو اقتـصاد الشـرق، الذي يهدف إلى التحول نحو الاستهلاك المدفوع بالدخل، أكثر استدامة على المدى الطويل.
التحول في التجارة العالمية وتكتلات القوة الاقتصادية
يُعاد تعريف قواعد التجارة العالمية في ظل التنافس الجيوسياسي، حيث تسعى الكتل الإقليمية إلى تعميق التكامل كآلية دفاعية وهجومية.
سيناريوهات العولمة والانفصال الجيوسياسي Decoupling
يُحدد تطور التجارة العالمية ليس فقط بالاتجاهات التقنية، بل بشكل كبير بخيارات صانعي القرار السياسيين. أدت الضغوط الشعبية في الغرب تجاه مراجعة التعاون التجاري الحر إلى زيادة حالة عدم اليقين. وقد توقف نمو تدفقات التجارة العالمية بعد الأزمة المالية، حيث نمت التجارة بنسبة 1.1% فقط في عام 2023.
يعرض المحللون أربعة سيناريوهات لتطور تحرير السياسات التجارية، تتراوح بين العولمة بقيادة كتلة الشرق أو كتلة الغرب أو نظام متعدد الأقطاب. إن الفشل الغربي في قيادة تكتلات تجارية جديدة ضخمة، بالتزامن مع توحيد الشرق لجهوده، يرسخ التوجه نحو نظام متعدد الأقطاب.
RCEP اقتصاد الشرق وتشكيل أكبر كتلة تجارية في التاريخ
كانت الاستجابة الأبرز لهذا التحول من جانب اقتصاد الشرق هي الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة RCEP، التي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2022. يمثل هذا التكتل، الذي يضم 15 دولة بما فيها الصين واليابان وكوريا الجنوبية ودول الآسيان، حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و 2.2 مليار نسمة، مما يجعله أكبر كتلة تجارية في التاريخ.
يشكل RCEP منعطفاً استراتيجياً لأنه أول اتفاقية تجارة حرة تشمل أكبر اقتصادات آسيا، مما يعمق التكامل الإقليمي بشكل غير مسبوق. تمثل هذه الاتفاقية درجة عالية في سلم التكامل الاقتصادي، على غرار السوق الأوروبية المشتركة، حيث تتضمن حرية انتقال السلع والخدمات وعناصر الإنتاج مثل العمل ورأس المال والتكنولوجيا بين الدول الأعضاء.
إن توقيع RCEP يرسخ أن مركز الثقل التجاري العالمي قد انتقل فعلياً إلى اقتصاد الشرق. الشرق لم يعد مجرد منتج، بل أصبح واضعاً للقواعد الإقليمية (Rule-Setter)، مما يمنحه مرونة تجارية هائلة. تعميق التكامل داخل RCEP يوفر شبكة أمان ضد محاولات “فك الارتباط” الجيوسياسية التي تهدف إلى عزل سلاسل التوريد الآسيوية، حيث يمكن للدول الأعضاء تعويض الخسائر الناجمة عن الرسوم الجمركية الغربية بزيادة التجارة البينية داخل التكتل.
إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية
أدت التوترات الجيوسياسية إلى تسليط الضوء على هشاشة سلاسل الإمداد، مما دفع إلى إدراج “التكنولوجيا التي تؤدي إلى تقصير سلاسل التوريد” كأحد الاتجاهات التحويلية الكبرى التي تؤثر على التجارة.
وتشير التداعيات الاقتصادية للرسوم الجمركية الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين إلى أن السياسات التجارية أصبحت محركاً رئيسياً لتغيير مواقع الإنتاج. ومع ذلك، فإن تعميق التكامل داخل اقتصاد الشرق (RCEP) يوفر للمنطقة القدرة على الاستمرار في النمو حتى في ظل عالم منقسم، مما يثبت مرونة سلاسل الإمداد الشرقية.
سباق الهيمنة التكنولوجية والإنفاق على الابتكار
تتغير المزايا التنافسية العالمية بفعل الموجة الرقمية. وتتسم المنافسة التكنولوجية الحالية بـ “المفارقة”، حيث يبرع الغرب في الابتكار الأولي، بينما يتفوق اقتصاد الشرق في الإنتاج والتطبيق.
المفارقة التكنولوجية الابتكار (الغرب) مقابل الإنتاج (الشرق)
يحتفظ الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، بميزة في توليد الأفكار والملكية الفكرية في المراحل الأولية Upstream Innovation. ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن الولايات المتحدة خسرت مكانتها في الإنتاج والتصنيع Downstream Production في قطاعات حيوية مثل أشباه الموصلات والطاقة النظيفة.
في المقابل، أثبتت دول في اقتصاد الشرق مثل اليابان وكوريا الجنوبية قدرتها على الجمع بين الابتكار والإنتاج. إن خسارة الغرب لميزة الإنتاج تؤدي إلى تآكل مزاياه العلمية الأولية؛ لأن الابتكار يحتاج إلى حلقة تغذية راجعة سريعة من الإنتاج والتطبيق. عندما يتم التصنيع في آسيا، تكتسب الشركات الشرقية خبرة أسرع في تحسين التكنولوجيا وتطويرها، مما يسرع من نقل الابتكار ويقلل الفجوة التكنولوجية بمرور الوقت. وتساهم التقنيات الرقمية الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، في تغيير المزايا التنافسية بشكل عميق.
استراتيجيات البحث والتطوير R&D
يختلف نمط الاستثمار في البحث والتطوير R&D بين الكتلتين. في الغرب، يتركز الإنفاق بشكل كبير في القطاع الخاص، خاصة في قطاعات مثل الأدوية والتكنولوجيا الحيوية.
أما في اقتصاد الشرق، فيتمثل التفوق في الاستثمار الموجه من الدولة (State-led) لتعزيز البنية التحتية التكنولوجية والصناعات الاستراتيجية. هذا السباق من أجل “السيادة التكنولوجية” (Technological Sovereignty) مدفوع بالرغبة الشرقية في تقليل التعرض لتقلبات السياسات الغربية وقيود التصدير التكنولوجي، مما يفسر سبب استثمار الصين ودول أخرى بشكل ضخم في R&D لضمان عدم تعرض سلاسل الإمداد الرئيسية للابتزاز الجيوسياسي.
تنظيم التكنولوجيا الرقمية وسياسات المناخ
تختلف المناهج التنظيمية للتكنولوجيا الرقمية بشكل واضح؛ حيث يميل الغرب إلى حماية البيانات والخصوصية الفردية، بينما يركز الشرق على استخدام التكنولوجيا لخدمة الأهداف الاقتصادية والوطنية الكبرى.
في سياق التغير المناخي، تشير التقارير إلى دور المؤسسات المالية في تمويل التكيف مع تغير المناخ، وإبراز دور التكنولوجيا الرقمية في تحسين الأمن الغذائي في الاقتصادات النامية. هذا يوضح كيف أن اقتصاد الشرق، من خلال آليات التمويل الموجهة، يمكنه الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز الاستدامة.
صراع العملات والتحول المالي العالمي
يُعد النظام المالي الذي يهيمن عليه الدولار نقطة التحول الأكثر حساسية التي يسعى اقتصاد الشرق لتغييرها من خلال تدويل عملاته.
هيمنة الدولار أسس القوة ومؤشرات التحدي
يحظى الدولار بامتياز فريد كعملة احتياطية دولية ومهيمنة على تسعير التجارة. ومع ذلك، فإن استخدام الرسوم الجمركية والقيود التجارية كأداة للسياسة الخارجية قد أثار دافعاً قوياً لدى الشرق للبحث عن بدائل للدولار.
صعود اليوان وتدويله استراتيجية ’اقتصاد الشرق’ المالية
يُعد تدويل اليوان استراتيجية ممنهجة تقودها الصين لإنشاء نظام نقدي متعدد الأقطاب. فقد طلب البنك المركزي الصيني مؤخراً رفع نسبة الحد الأدنى للمعاملات التجارية المقومة باليوان من 25% إلى 40%. هذا التحرك له دوافع جيوسياسية واضحة، حيث جاء في ظل “وابل الرسوم الجمركية” الأمريكية، مما يؤكد أنه خطوة استراتيجية للحد من جاذبية الأصول المقومة بالدولار دولياً.
العلاقة السببية واضحة الرسوم الجمركية الغربية تخلق دافعاً قوياً للشرق لتقليل اعتماده على الدولار في التسويات التجارية. يمكن لتدويل اليوان أن يحقق للبلدان الناشئة بديلاً لتسعير عملتها وتخصيص احتياطاتها، كما يمكن أن يدعم الاستقرار في النظام النقدي الدولي من خلال دخول منافس جديد للدولار. كل زيادة في حصة التجارة المقومة باليوان تزيد من استقلالية اقتصاد الشرق وتعزز النظام المالي متعدد الأقطاب.
اقتصاد الشرق الأوسط ودور المراكز المالية الجديدة
يلعب الشرق الأوسط دوراً حاسماً في هذا التحول. إن استقبال دول الخليج للاستثمارات التقنية الصينية الكبرى في قطاعات مثل السيارات الكهربائية، يعني أن التجارة الإقليمية تستخدم التكنولوجيا الشرقية، مما يمهد لتمويل غير غربي. هذا التوجه نحو الطاقة النظيفة بمساعدة الشرق يضع المنطقة في طليعة جهود اقتصاد الشرق لتنويع النفوذ المالي وتقليل الاعتماد على هيمنة الدولار في تجارة الطاقة نفسها على المدى الطويل.

#إيست توداي مصدر الصورة: موقع pexels
آفاق مستقبل اقتصاد الشرق وضرورة التكيف
يمثل التنافس بين اقتصاد الشرق والغرب صراعاً بين نموذج نمو مدفوع بالديناميكية والتخطيط المركزي، ونموذج يعاني من التباطؤ والتحديات الهيكلية.
بشكل عام، يتمتع اقتصاد الشرق بتفوق نسبي في النمو الأسرع، القوة السكانية الديناميكية، القيادة في التكامل التجاري (RCEP)، وميزة الإنتاج والتصنيع (Downstream Production). في المقابل، يحتفظ الغرب بقوته المستمرة في الابتكار الأولي (Upstream Innovation)، والهيمنة المالية للدولار على المدى القريب.
يشير التحليل إلى أن الانتقال إلى نظام “متعدد الأقطاب” هو الاحتمال الأرجح، حيث تتنافس الكتل الإقليمية بقيادة RCEP (الشرق) والاتحادات الغربية على وضع المعايير التجارية والتكنولوجية. إن التحول نحو عولمة مدفوعة بـ اقتصاد الشرق سيكون له آثار كبيرة على مستويات التجارة الإقليمية وتوزيع الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
لإدارة هذا السياق دائم التطور، يوصى بأن تقوم الدول التي تقع في مفترق الطرق بين الشرق والغرب (مثل دول الشرق الأوسط) بتنويع شركائها التجاريين والاستثماريين، والاستفادة من الفرص الناشئة داخل تكتل اقتصاد الشرق الأسرع نمواً، مع التركيز على الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية والطاقة النظيفة لضمان المرونة الاقتصادية والاستقلال التكنولوجي.

